أسر إليك رسول الله صلى اللهعليه وسلم ؟
قالت الزهراء رضي الله عنها :ما كنت لأفشي سره ! فلما قبض سألتهافقالت:
قال :ان جبريل كان يأتيني كل عام فيعارضني بالقرآن مرة وأنه أتاني العامفعارضني
مرتين، ولا أظن إلا أجلي قد حضر ،فاتقي واصبري،فانه نعم السلف أنا لك . قالت
فبكيت بكائي الذي رأيت :فلما رأى جزعي سارني الثانية ،فقال :" يا فاطمة،أماترضين
أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة ؟وانك أول أهلي لحاقا بي؟ فضحكت .
ورأتفاطمة رضي الله عنها ما برسول الله
من الكرب الشديد الذي يتغشاه ،فقالت : وأكربأباه .فقال
صلى الله عليه وسلم لها :ليس على أبيك كرب بعد اليوم يا فاطمة.
ولماحضرت النبي الوفاة،بكت فاطمة حتى سمع
النبي صوتها فقال صلى الله عليه وسلم "لا تبكييا بنية
،قولي إذا مت :انا لله وانا إليه راجعون، فان لكل إنسان بها من كل مصيبةمعوضة
"، قالت فاطمة : ومنك يا رسول الله ؟قال : ومني .
ولما مات الرسول صلىالله عليه
وسلم قالت فاطمة : يا أبتاه أجاب ربا، يا أبتاه في جنة الفردوس مأواه ،ياأبتاه
إلى جبريل ننعاه . فلما دفن الرسول صلى الله عليه وسلم قالت : يا أنس كيفطابت
أنفسكم أن تحثوا على رسول الله التراب ؟ وبكت الزهراء أم أبيها ،وبكى المسلمونجميعا
نبيهم ورسولهم محمد صلى الله عليه وسلم وذكروا قول الله تعالى :" إنك ميتوإنهم
ميتون".
حادثة فدك والإرث :
ولما كان اليوم الذي توفي فيه رسول صلىالله عليه
وسلم بويع لأبي بكر رضي الله عنه في ذلك اليوم ،فلما كان من الغد جاءتفاطمة
إلى أبي بكر رضي الله عنه ومعها علي كرم الله وجهه، فقالت : ميراثي من رسولالله
صلى الله عليه وسلم أبي ،فقال :أمن الرثة أومن العقد ؟قالت :فدك-قرية كانللنبي
صلى الله عليه وسلم نصفها – و خيبر وصدقاته بالمدينة أرثها كما يرثك بناتكإذا
مت.
فقال أبو بكر رضي الله عنه :أبوك والله خير مني، وأنت والله خير منبناتي
،وقد قال رسول الله: لا نورث ،ما تركنا صدقة (يعني هذه الأموال القائمة ) فيعلمن
أن أباك أعطاكها،فو الله لئن قلت نعم لأقبلن قولك ،قالت:قد أخبرتك ما عندي. وقال
لفاطمة وعلي والعباس :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا نورث ما
تركناهصدقة "
وفي رواية أخرى عن عروة ابن الزبير عن عائشة أن فاطمة أرسلت إلى أبى
بكرتسأله ميراثها من النبي صلى الله
عليه وسلم فيما أفاء الله على رسوله صلى الله عليهوسلم تطلب
صدقة رسول الله التي بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر فقال أبو بكر : أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا نورث ما تركناه فهو صدقة إنما يأكل آلمحمد
من هذا المال –يعني مال الله – ليس لهم أن يزيدوا على المأكل " وإني والله لاأغير
شيئا من صدقات النبي صلى الله عليه وسلم، ولأعملن فيها بما عمل به رسول اللهصلى
الله عليه وسلم، ولست تاركا شيئا كان رسول الله يعمل به إلا عملت به، فإني أخشىإن
تركت شيئا من أمره أن أزيغ. فتشهد علي ثم قال : إنا عرفناك يا أبا بكر فقال: والذي
نفسي بيده لقرابة رسول صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي وأوسعمنه.
والحكمة من ذلك أن الله تعالى صان الأنبياء أن يورثوا دنيا؛ لئلا يكون ذلكشبهة
لمن يقدح في نبوتهم بأنهم طلبوا دنيا وورثوها لورثتهم، ثم إن من ورثة النبيصلى
الله عليه وسلم أزواجه، ومنهم عائشة بنت أبي بكر وقد حرمت نصيبها بهذا الحديثالنبوي،
ولو جرى أبو بكر مع ميله الفطري لأحب أن ترث ابنته.
وطابت نفس فاطمة رضيالله عنه
بما كان من قضاء أبي بكر رضي الله عنه، وأن الأنبياء لا يورثون مالا وعاشتزاهدة
راضية حتى وافاها الأجل، فكانت أول اللاحقين بأبيها من أهل بيته كما بشرهابذلك،
فطابت بالبشرى وعلمت أن الآخرة خير من الأولى وأبقى.
وفاة فاطمة رضي اللهعنها:
أوصت الزهراء رضي الله عنها علي بن أبي طالب بثلاث وصايا في حديث داربينهما
قبل وفاتها. وقالت الزهراء يا ابن عم، انه قد نعيت إلي نفسي ، وإنني لا أرىحالي
إلا لاحقة بأبي ساعة بعد ساعة، وأنا أوصيك بأشياء في قلبي. فقال كرم الله وجهه : أوصيني
بما أحببت يا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فجلس عند رأسها وأخرج منكان
في البيت . فقالت رضي الله عنها :يا ابن العم ما عهدتني كاذبة ولا خائفة، ولاخالفتك
منذ عاشرتني
.
فقال رضي الله عنه : معاذ الله ! أنت أعلم بالله تعالى ،وأبر
واتقى وأكرم وأشد خوفا من الله تعالى، وقد عز علي مفارقتك وفقدك إلا أنه أمرلابد
منه، والله لقد جددت علي مصيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجل فقدك، فإنالله
وإنا إليه راجعون.
وقد أوصت الزهراء رضي الله عنها عليا كرم الله وجههبثلاث:
أولا:أن يتزوج بأمامة بنت العاص بن الربيع،وبنت أختها زينب رضي الله
عنها .وفي
اختيارها لأمامة رضي الله عنها قالت :أنها تكون لولدي مثلي في حنوتي ورؤومتي. وأمامه
هي التي روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحملها في الصلاة .
ثانيا : أن يتخذ لها نعشا وصفته له ، وكانت
التي أشارت عليها بهذا النعش أسماء بنت عميس رضيالله عنها،
وذلك لشدة حياءها رضي الله عنها فقد استقبحت أن تحمل على الآلة الخشبيةويطرح
عيها الثوب فيصفها، ووصفه أن يأتى بسرير ثم بجرائد تشد على قوائمه ، ثم يغطىبثوب .
ثالثا :أن تدفن ليلا بالبقيع .
لم يطل مرض الزهراء رضي الله عنها الذيتوفيت فيه ،
ولم يطل مقامها في الدنيا كثيرا بعد وفاة المصطفى صلى الله عليه وسلم،وقد اختلفت الروايات في تحديد تاريخ وفاتها ، فقيل في الثالث من
جمادى الآخرة سنةعشرة للهجرة وقيل توفيت لعشر بقين من
جمادى الآخرة، أما الأرجح فإنها توفيت ليلةالثلاثاء
يوم الاثنين من شهر رمضان سنة إحدى عشرة من الهجرة .
وتوفيت وهي بنتتسع وعشرين
سنة . وقيل كانت قبل وفاتها فرحة مسرورة لعلمها باللحاق بأبيها الذيبشرها
أن تكون أول أهل بيته لحاقا به وقيل لبثت الزهراء بعد وفاة رسول الله صلىالله
عليه وسلم ثلاثة اشهر وفي رواية أخرى ستة اشهر. وقد نفذ علي كرم الله وجههوصيتها
،فحملها في نعش كما وصفته له ودفنت بالبقيع ليلا ، وهي أول من حملت في نعشوأول
من لحقت بالنبي صلى الله عليه وسلم من أهله.
حملت فاطمة بين دموع العيونوأحزان
القلوب ،وصلى عليها علي كرم الله وجهه ونزل في قبرها،فضم ثرى الطيبة الطاهرةفاطمة
الزهراء رضي الله عنها كما ضم جثمان أبيها المصطفى صلى الله عليه وسلموأخواتها
الثلاث :زينب، ورقيــة وأم كلثوم رضي الله عنهن